د. حسن النعماني
مصنعة بلّعور باتيس النعماني و اهلها و أجدادهم :
تعتبر مصنعة بلّعور باتيس النعماني من أهم المواقع التراثية بوادي حضرموت وبالذات في هضبة حضرموت المسماه بصاط باتيس والتي تقع بين وادي عمد ( المسمى قديماً بوادي قضاعة نسبة إلى قرية قضاعة المسماه حاليا باسم مخيه ) و وادي رخيه ويعود بناء المصنعة إلى القرن الحادي عشر الهجري بحوالي عام ١١٣١ه على ايدي بناة بارعون من مدينة تريم الشهيرة بوادي حضرموت .
المصنعة هي حصن حربي تختلف عن الحصن التقليدي بانّ أركانها الأربعة تكون دائرية كما في الصورة لكن ما يميز مصنعة بلعور هو وجود ثلاثة أركان دائرية و ركن مستقيم و يروى أنّ السبب في ذلك هو أنّ البناة الذين بنوا المصنعة قد استكملوا بناء ثلاثة أركان بشكل دائري فأوجس البعض أنهم لا يستطيعون بناء ركناً بشكلٍ مستقيم مما جعلهم يبنون الركن الرابع بالشكل المستقيم الذي يظهر في الصورة .
تروى في بناء المصنعة قصص كثيرة منها أنّ من أسس المصنعة و هو عبدالله بن عمر بن محمد بن عمر بامشيع بابكر ( ويقال بكروهو من سُميَ باتيس فيما بعد لانهم أشتروا الصاط من الباتيس و بقي باسمهم كما يروى ) بن علي النعماني .
بامشيع بن بكر ( باتيس ) هو جد آل محمد بن عمر وهم أهل بلد رميد و شروج رميد وهي بناء رميد و شريق و لمهور و ذراك و شمسان و العطفه و المشاطه العلياء و السفلى .
وبامشيع بن بكر كذلك هو الاخ الثاني لسالم بن بكر ( بابكر = باتيس ) هو أخو سالم بن بكر
والذي يمثل ابناءه النصف الآخر من قبيلة الباتيس
بكر أو بابكر ( باتيس ) هو اخ لبن سميدع و بن سعد و يرجعون جميعاً آل علي بن نعمان ، وهم الدار الوحيدة من ديار قبيلة نعمان الأربع التي تسكن بحضرموت بينما تسكن باقي الديار في محافظة شبوه و هم ال أحمد و ال سعيد و ال سالم .
يروى أنّ قبيلة نعمان تنسب للملك نعمان بن المنذر ابن ماء السماء الذي كان يملك الحيرة في العراق ، ولذلك يقول الشاعر طالب بن حسن باتيس النعماني ( ابو راضي ) :
نعمان بن منذر حكم فـي الحيـره : جيشه هزم قيصر ودمـر كسـرا
وابناء على النعمان حكموا صيـره : واتعسكروا في حضرموت الصحراء
أاحمد بجـردان الـورب تأثيـره : حكمه وصل لما شبام الصفـراء
والسالمي مولاء الوفاء والجيـره : حاكم قصور الاندلـس والحمـراء
والبابحـر هـم حاكميـن الديـره : ردوا العدو باكبر هزيمـه نكـراء
قبيلة النعماني تنتشر في عدة دول عربية مثل مصر و لبنان و سوريا وعمان ( و يسمون في عمان النعماني أو المنذري ) و اليمن ( خصوصاً في حضرموت و شبوه ) وقد سهلت وسائل الاتصال الحديثة التواصل بين ابنائها .
نعمان بن المنذر و ال النعماني يرجعون لقبيلة لخم الكهلانية ويروى أن بيت لحم بفلسطين سميت باسمهم بيت لخم ثم تغير الى بيت لحم
وكذلك من لخم .. ( بنو عباد ) ملوك اشبيلية، ومن لخم بطون كثيرة بالديار المصرية ....
سمي عبدالله بن عمر بلعور لوجود عمى باحدى عينيه و كان يملك الكثير من المال و العبيد ( المماليك ) ولذلك تمكن من جلب بناه متميزين من وادي حضرموت و كان يكرمهم خير كرم كما في عدة قصص وردت عنه ومن كثرة المماليك عنده كانوا يشكلون صفاً مستقيماً واحداً من موقع بناء المصنعة الى المقراف ( المكان اللي يجيبون منه الصليل الذي بنيت منه المصنعة ) وهو في أقحل رميد على بعد حوالي كيلو متر واحد من المصنعة .
تعتبر المصنعة أول مبنى أقيم في بلد رميد و الذي كان يسمى رميد لعور نسبة لعبدالله بن عمر لعور وذلك الى وقت قريب كما يذكر الجد عمر بن يسلم بن صالح انه كان عند شيبان ( معمرين ) بوادي عمد و كانوا عندما يخيلون المطر يقولون الغيث حول رميد لعور و كذلك كما ورد في الخطوط فقد أشترى عبدالله بن عمر رميد من غيلان قارة سدة الى صدع شوحط ( فوق وادي عمد ) وهي ماتزيد على مساحة ١٤٠ كيلو متر مربع ، وذلك بعد أن اشتراها من سكانها الاصليين و منهم الباقطيان و الباموكره و الباجران .
من مميزات المصنعة و التي لا توجد في غيرها من المصانع و الحصون بالمنطقة :
١- أنه تم وضع خشب على ارتفاع عالي تحت سيب المصنعة ( الماد ) حتى لا يستطيع أي معتدي ان يحفر من تحت الباب و يدخل و الباب كذلك باب قوي و عريض .
٢-الساس ( القاعدة ) الذي بنيت عليه المصنعة مرتفع جداً .
٣- الرقاد ( الدرج ) حق المصنعة واسع في العرض و كل رقده بارتفاع بسيط عن اللي تحتها ( حوالي ١٠-١٥ سم ) حتى يكون طلوعها سهل و مريح .
٤- وجود ثلاثة أركان دائرية و ركن عادي .
أهل المصنعة :
عبدالله بن عمر مؤسس المصنعة خلف ولد و اسمه سعيد و سعيد له ولد وهو عمر و عمر خلف ثلاثة اولاد وهم سالم و عبيد و سعيد ( لصقع ) .
عبيد سافر للسواحل ( أفريقيا ) و لا يعرف اذا خلف أولاد هناك أم لا ، لكن الأكيد كما في رسالة بعثها لاخويه سالم و سعيد و هو على وشك الصعود في السفينة يقول فيها :
( هذه جنبيتي ( وهي السلاح الأبيض الذي يرتديه الرجل ) وهي ما أملك أرسلتها لكم مع الرسالة و أنا مسافر للسواحل )
سعيد لم يتزوج و له قصة مشهورة مع قبيلة الديّن بحيث انهم كانوا طالعين في عقبة شوحط من وادي عمد لصاط باتيس و يريدون قتل رجل من الباتيس لثأر بينهم ، رأهم سعيد وهم قدمين دخل في صدع في عقبة شوحط و تركهم الى أن مروا و قمس ( مشى ) معهم وكان الجو بارد و هم متلحفين و في ظلام الليل حسبوه واحد منهم و حسب عددهم ٣٢ قدم يعني ١٦ رجل و لما وصلوا فوق العقبة قالوا الدين لمقدمهم اش معك يا مقدم ؟
قال بغينا لقتل واحد من ثلاثة رجال من الباتيس في الصاط عندنا دله ( معلومية ) عليهم و هم :
مولى شريق أو سعيد بلعور أو بن صعبان و نعرف أين نلاقي كل واحد منهم و بالوثق له ( نستعد ) في مكان محدد ، وافقوه الرأي و قمسوا و هو معهم ثم تخلف عنهم و ذهب لمولى شريق وهو في قرية شريق و أخبره و قالوا لابد أن نجمع أهل الصاط بدون اطلاق نار ( وكان اطلاق النار هو الوسيلة الوحيدة التي يسمعها المتباعدين فيجتمعون ) لكي لا يعرفون الديّن بهم ولذل اجتمعوا في الليل و حاصروا الدين و اختلفوا الباتيس حيث كان يقول البعض نقتلهم كلهم لانهم معتدين لكن مقدمهم كان حكيماً و كان في ذلك الوقت صالح بن بلخير باتيس ، فقال لهم :
اذا قتلنا ١٦ من الديّن سيقتلون ١٦ من الباتيس و قبيلتنا عدد رجالها ٢٤ ( في ذلك الوقت ) و لن بيبقى من الباتيس الا ٨ رجال و لن تقوم لهم قيمة و ستستضعفهم القبائل .
حاصروا الباتيس الديّن من كل الجهات و أرسلوا أحد مماليكهم يقول لهم :
انتم يا الديَن طلعتم البارح منكم ١٦ رجل لكي تقتلون مولى شريق او بلعور او بن صعبان ، يكون في علمكم انهم لن ياتوكم اليوم ، و يقول لكم أبوي صالح بن بلخير اما ترجعون و أنتم في وجهي ( أي في حمايتي ) و إن لم فاننا سنلهجم عليكم .
سكتوا الدين و كرر الكلام عليهم ٣ مرات ، و بعد
المرة الثالثة قاموا الدين و رجعوا لبلادهم .
نعود للابن الثالث لعمر بن سعيد وهو سالم وقد خلف عمر بن سالم و كان رحمه الله و غفر له و أسكنه الفردوس الأعلى رجل معروف بحسن اخلاقه و شجاعته و كرمه و كان يتاجر في العسل و له نوب كثير و كذلك يجلب الذره و البر وغيره من الحبوب ويبيعه و يذهب الى أغلب مناطق حضرموت و شبوه و يرسل عسل الى جاوه ولذلك فانه كان معروف في أغلب المناطق و قد توفي رحمه الله و عمره ٥١ سنه بمرض يعتقد أنه الملاريا و لم يكن لها علاج وقتها .
خلف عمر بن سالم ستة من الأبناء وهم :
علي و سالم و حسن ( حفظهم الله ) و مبارك و فرج و عمر ( غفر الله لهم و أسكنهم الفردوس الأعلى )
علي عنده من الاولاد طالب و ربيع و بلخير
سالم عنده من الاولاد عمر و مهدي و صالح ( توفي و هو طفل رحمه الله )
كاتب هذه الأسطر هو ابن عمر بن سالم .
مبارك ( رحمه الله ) خلف من الاولاد بدر و أحمد
حسن ( حفظه الله ) عنده من الاولاد عبدالعزيز و عبداللطيف ( توفي رحمه الله ) و مبارك و مهدي و محمد و فهد و فارس و سالم
عمر مات رحمه الله بالدمام وهو شاب صغير قبل أن يتزوج .
فرج رحمه الله استشهد في المكلا و كان في جبهة سياسية معارضة للحزب الاشتراكي الشيوعي و خلف بنت .
هذه نبذه مختصرة عن مصنعة بلعور الأثرية بصاط باتيس بحضرموت و الذي يفترض أن يهتم بها مكتب السياحة و الآثار بحضرموت و لكن لا حياة لهم للان و كذلك حاولت أن أُعرج على أعل المصنعة العوران و دارهم ال محمد بن عمر و قبيلتهم الباتيس و قبيلتهم الأكبر النعماني .
الكاتب : د.حسن عمر باتيس النعماني